الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

المرأة في أدب العقاد

في إطار احتفالها بالذكرى الخمسين لرحيل عباس العقاد أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر كتاب " المرأة في أدب العقاد" لمؤلفه أحمد سيد محمد . الكتاب عبارة عن دراسة نال عنها الباحث درجة الماجستير من كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1970 بإشراف د. أحمد الحوفي . ينقسم الكتاب إلى مقدمة وتمهيد بعنوان "الحركة النسائية في مصر الحديثة وعوامل نهضتها" وخمسة فصول . يتناول الفصل الأول مصادر آراء العقاد في المرأة التي يردها الباحث إلى ثلاثة مصادر : المصادر الثقافية (إسلامية \عربية وشرقية \أوروبية) ، والبيئة والميول النفسية ، والتجارب والعلاقات النِّسْوية . ويشير الباحث إلى أن  الدين الإسلامي من أقوى مصادر التأثير في أدب العقاد عموما وفي نصيب المرأة من هذا الأدب خصوصا . وأن العقاد تأثر  بأفكار عبد الله النديم من خلال مجلته "الأستاذ" التي وجدها طفلا في مكتبة أسرته . كما تأثر بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده . وقد أجاد العقاد الإنجليزية وقرأ لتولستوي ودستوفسكي وبلزاك وجوته وشوبنهور وشكسبير وفرويد وغيرهم .

ولد العقاد ونشا في أسوان ، أي في مجتمع متدين له عاداته وتقاليده ، وبين أبوين محافظين ، وشهد في طفولته بناء خزان أسوان وقدوم الحملة الإنجليزية التي كانت معدة لفتح السودان مما أدى إلى وجود جاليات أوروبية في المدينة فوجد أمامه نموذجين للمرأة : الأسوانية المتحجبة والأوروبية السافرة مما منحه – كما تشير د. نعمات أحمد فؤاد – بسطة في الأفق وأعطاه قابلية الإحساس بسعة الحياة .

وكان لأمه ذات الأصول الكردية أبعد الأثر في حياته ، ورث عنها طول القامة وسمات الوجه ، وحب العزلة كي يقرأ ويكتب ويتأمل . أما عن علاقاته النسائية فمنها من لم تتجاوز حدود المودة كعلاقاته بقريباته وزميلاته وتلميذاته وصديقاته من الأديبات وغيرهن ، ومن ثم فإن خبرته بالمرأة لم تكن نتيجة علاقة عاطفية فحسب يحتجب فيها العقل وراء القلب . وإن كان لعلاقات الحب في حياته الأثر الكبير في شخصيته وفي آرائه وأفكاره حول المرأة . فقد أحب العقاد أكثر من مرة مع اختلاف في درجة الحب وأثره عليه . وهناك اختلاف حول عدد النساء اللاتي أحبهن ما بين 5 و6 و4 أو 3 كما ذهب أنيس منصور هن : مي زيادة والممثلة مديحة يسري ومن أسماها "سارة" في روايته الشهيرة التي تحمل نفس الاسم .

يعرض الفصل الثاني لرأي العقاد في طبيعة المرأة وخصائصها الجسمية والنفسية اعتمادا على نظريات علم التشريح وعلم النفس . فالضعف في رأي العقاد أوضح مظاهر التكوين الجنسي والاستعداد النفسي في المرأة . فالمرأة أضعف من الرجل وقد خلقت لتعتمد عليه . ومظاهر الضعف الأنثوي في نظر العقاد كثيرة سواء كانت جسمية أو شواهد تاريخية فسيطرة الرجل عليها خلال تاريخ الإنسانية الطويل مظهر من أكبر مظاهر ضعفها جسميا وعقليا . ومن الصفات الأخرى ضعف الإرادة والعناد والاحتجاز الجنسي الذي يراه غريزة مشتركة تعم إناث الحيوان والإنسان فالمرأة لا تبادر بل تنتظر أسبق الرجال إليها ، ويفرق بينه وبين الحياء ويذهب إلى أن المرأة أقل حياء من الرجل . ومن صفاتها أيضا الرياء ، والرحمة والعطف والحنان بالفطرة والغريزة وليس بوازع من فكر أو ضمير ، والتناقض والقدرة على اجتذاب الرجل من خلال الجمال والتجمل والدلال . وينظر العقاد إلى جمال المرأة من جانبين : جانب الروح وهو ما يسمى بخفة الدم وجانب الجسم الذي يبدو في الوجه لأن فيه العينين والشفتين ، وهي نافذة النفس على العالم . ويفضل العقاد النموذج العربي للجمال.

ويرى العقاد أن دور المرأة في الأسرة هو دور التابع وأن الزوج هو رئيس الأسرة . وأن مكانة المرأة رهن بالأمومة ، فهي كل شيء بأمومتها وليست بشيء على الإطلاق إذا نسيت هذه الأمومة ، وزهو المرأة بالأمومة أغلى لديها وألصق لطبيعتها من الزهو بولاية الحكم ورياسة الديوان . وأن الأم سر العظمة في أبنائها وما من رجل ممتاز قط كانت أمه صفرا من المزايا .وأفضل الزوجات عند العقاد هي التي تستطيع أن تجعل من بيتها كهفا أمينا لزوجها يأوي إليه من جحيم الدنيا . ويرى أن الحالة المثلى في الزواج عدم التعدد : رجل وامرأة يتحابان ويمتزجان بالجسم والروح ولا يفترقان مدى الحياة ولكن الضرورات قد تشرك مع المرأة غيرها بتعدد الزوجات .

ويرى العقاد أن المرأة لم تزود بالعطف والحنان والرفق بالطفولة لتهجر البيت وتلقي بنفسها في غمار الأسواق والدكاكين ، فعملها في البيت أكبر وأجل من أن تجمع بينه وبين السعي في طلب الرزق . وكل تغيير أو تبديل في ذلك ينظر إليه العقاد على أنه خلل يجب إصلاحه والقضاء عليه . ولكن عند الضرورة تخرج المرأة للعمل وعلى المجتمع أن يتيح فرصة متمشية مع طبيعتها . وبعض الأعمال يرى أنها غير صالحة للمرأة كالسياسة ولا سيما في عصور الاضطراب .

أهو عدو أم صديق للمرأة ؟ سؤال يطرحه الفصل الرابع حيث يذهب الباحث إلى أن اتهام العقاد بعدائه للمرأة من المفتريات التي شاعت حول الرجل ، فرغم قسوة بعض آرائه إلا أننا إذا قارنّا آراءه بآراء قاسم أمين نجد تقاربا كبيرا بينهما ولكن طبيعة كلا الرجلين حيث اتسم العقاد بالحدة والصراحة وكذلك طبيعة العصر تختلف .

ويفسر الباحث عدم زواجه بمزاجه الخاص الذي اتسم بالحدة وميله للعزلة وعلاقاته النسائية المتعددة التي ملأت حياته العاطفية ما بين عذرية خالصة وغير ذلك واقتناعه بأن المرأة تحتاج إلى رجل يشغلها ويملأ عواطفها وقلبها بصفة دائمة وهو غير قادر على ذلك ، واقتناعه كذلك بأن الإنسان أقدر المخلوقات الحية على خدمة نوعه بوسائل كثيرة غير تجديد النسل وزيادة عدده .

وعن أثر المرأة في أدبه يقول الباحث إن العقاد كتب قصة "سارة" من وحي المرأة وتجاربه معها وهي لون فريد في أدبه وانعكاس واضح لأثر المرأة فيه . كما حفل شعره بالتجارب الحية النابضة ورسم صورة لأكثر من امرأة أحبها . وكانت هذه التجارب من أكبر الحوافز التي دعته إلى دراسة قضية المرأة فزاد إنتاجه الأدبي كما وكيفا . وينقل الباحث ما كتبه طاهر الجبلاوي في كتابه "من ذكرياتي في صحبة العقاد" : "ملأت سارة حياة العقاد سرورا ومرحا .. وكان للأيام السعيدة التي قضاها معها أثر كبير في أدبه فقد خلعت عليه حللا من الجمال ووشته بأفانين من بدائع الخيال وألهبت شعوره الذي يستمد منه قلمه قوة وروعة ، فكانت مقالاته الأدبية والسياسية في تلك الفترة تمتاز بلون جديد وأسلوب فريد لا يخفى على أحد ."

(هذا الموضوع نُشِرَ -مختصرا- في مجلة الدوحة - عدد أغسطس 2014)
http://www.aldohamagazine.com/article.aspx?n=6652C92A-7228-4647-9B1B-66AA9E10955C&d=20140801#.VBlv1_mSyYA




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق