الثلاثاء، 31 يناير 2012

التفكير فريضة إسلامية


إعمال العقل يهدى وإهماله يضل

تعد قضية الإيمان بالله أهم وأخطر قضية فى حياة الإنسان فهى القضية التى يتحدد على أساسها مصيره فى الآخرة إن كان من أصحاب الجنة أم من أصحاب السعير , وقد أمرنا الله بأن نعمل عقولنا فى هذه القضية , انظر إلى قوله تعالى " إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " البقرة 164 , وهذا يعنى أن عقل الإنسان إذا أعمله واستخدمه كفيل بهدايته إلى الطريق الصحيح أما إذا أهمله وألغاه فسيكون مصيره الضلال " أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " الأنبياء 67 وفى الآخرة ندم شديد " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فى أصحاب السعير " الملك 10 , فإذا كان الإنسان مأمورا بإعمال عقله فى أهم وأخطر قضية فى حياته فلا شك أن هذا الأمر بإعمال العقل ينسحب ومن باب أولى على كافة القضايا الأخرى من شئون الدين أو الدنيا .

موانع ثلاثة

"حين يكون العمل بالعقل أمرا من أوامر الخالق يمتنع على المخلوق أن يعطل عقله مرضاة لمخلوق مثله أو خوفا منه " بهذه العبارة يبدأ العقاد ثانى فصول كتابه المعنون " الموانع والأعذار " والذى يحدد فيه ثلاثة موانع كبرى تعطل العقل اعتبرها بمثابة الأصول التى تتشعب منها الموانع المختلفة , فمن سلم منها – كما قال - أوشك أن يسلم من كل مانع يحجر على عقله , وهذه الموانع كما حددها هى :

* عبادة السلف أو ما يسمى بالعرف

وذلك عندما يكون الإنسان أسيرا لعادات وتقاليد مجتمعه يحرص على اتباعها دون أن يسأل أهى صواب أم خطأ , مصرا على التمسك الأعمى بما كان عليه الآباء دون أن يفكر أكان هؤلاء الآباء على حق أم على باطل , أكان ما يفعلونه خيرا يجب الاقتداء به أم شرا يجب نبذه والابتعاد عنه , وقد استنكر القرآن ذلك فى مواضع كثيرة منها " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون " البقرة 170 .

* الاقتداء الأعمى بأصحاب السلطة الدينية

معروف أن الإسلام أسقط الكهانة وأبطل سلطان رجال الدين على الضمائر ونفى عنهم القدرة على التحريم والتحليل والإدانة والغفران , ولكن المشكلة أن بعض الناس ينساقون انسياقا أعمى وراء ما يقوله أولئك الذين يتصدون للحديث فى الدين - سواء كانوا أهلا لذلك أم لم يكونوا – ويحرصون على اتباعهم دون تفكير أو تمحيص لما يقولونه أو لما يدعونهم إليه , وطالما أن "الشيخ قال" فلاشك أن كلامه صحيح واجب الاتباع , وهذا بلا شك غير مقبول فى دين  "يقوم على مخاطبة العقل , ويعلل أحكامه وتشريعاته وأوامره ونواهيه" (1) , لا سيما وأن المتحدثين فى الدين أصبحوا كثيرين جدا فى زماننا , وبعضهم تصدر عنه آراء وفتاوى لا تستسيغها العقول  .

 * الخوف المهين من أصحاب السلطة الدنيوية

فالإسلام لا يقبل من المسلم أن يلغى عقله رهبة من بطش السلطة المستبدة , ويعد هذا المانع – كما أشار العقاد - أهون خطورة من الاثنين السابقين , لماذا ؟ لأن الحكم المستبد – كما قال - يتسلط على الضمير من خارجه ولا يستهويه من باطنه كما هى الحال فى المانعين الآخرين اللذين يجعلان الإنسان ينقاد للضلال إيثارا له ومحبة للمضللين , "فهو مشكلة مكان لا مشكلة عقل أو ضمير ... وكثيرا ما يكون الاستبداد حافزا للضمير إلى المقاومة محرضا للعقل على الرفض والإنكار , وأكبر ما يخشى منه أن يؤدى إلى تشبث العناد لأن هذا التشبث خطر على التفكير كخطر الاستهواء والتسليم" .

ليس تناقضا

ولكن الإسلام يأمرنا بتوقير الآباء والرجوع إلى أهل الذكر وطاعة أولى الأمر , فهل هذا يعد تناقضا ؟ لا .. فبالعقل نستطيع  التمييز بين البر بالآباء والضلال معهم على غير بصيرة , وبالعقل نستطيع التمييز بين من هو أهل لسؤاله والرجوع إليه ومن هو غير ذلك , وبالعقل نستطيع التمييز بين من يستحق الطاعة من أولى الأمر ومن يجب علينا أن نقاومهم بكل ما أوتينا من قوة إذ لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق